الملاحظات الثانية على أضواء اسلامية ..د.ربيع المدخلي

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على محمد رسول الله  أما بعد

فكتاب اضواء اسلامية للدكتور ربيع المدخلي بني على التهويل والتضخيم فكانت عاقبته ان احدث فرضيات ثم جعلها يقينيات

ومن أسوأ ما في هذا الكتاب هو عدم الانصاف  ولعل في الفصل القادم ما يثبت لك هذه الصفة القبيحة

لابد قبل الشروع في الموضوع  ان تعرف ماهي طبيعة كتاب "التصوير الفني في القرآن الكريم " لسيد قطب



فكتاب التصوير الفني في القرآن الكريم لسيد قطب  كان له هدف واحد ذكره سيد بوضوح وهو :

صـ9 : " إن حقيقة جديدة تبرز لي .أن الصور في القرآن ليست جزءا منه يختلف عن سائره ان التصوير  هو قاعدة التعبير في هذا الكتاب الجميل ............................فليس البحث إذن عن صور تجمع وترتب ولكن عن قاعدة تكشف وتبرز  

 ذلك توفيق لم أكن أتطلع له حتى التقيت به وعلى هذا الاساس قام البحث وكل ما فيه انما هو عرض لهذه القاعدة وتشريح لظواهرها وكشف عن هذه الخاصية التي لم يتعرض من قبل لها   " اهـ

هذه هي فكرة هذا الكتاب 

وهذه الفكرة لم يعرج عليها الدكتور ربيع  فهي تفسد عليه ما يريده  من نسبة الطعن لسيد لكي يقول عنه ما سوف يقول 




في هذا الكتاب ( اضواء اسلامية ) سلك د.ربيع المدخلي فكرة التهويل والتخويف دون ان يبسط الامر او يوضح الخلل فهو يريد ان يجعلك في غفلة عن افعاله التي اخفاها ليصل بك الى ما يريد 

ومن النماذج على انه حذف وركب ما يريد ليصل بك الى ما يريد  ومن هذه النماذج  الفصل  الاول في هذا الكتاب وهو : 

"          الفصل الأول
أدب سيد مع رسول الله وكليمه موسى عليه الصلاة والسلام "


فالدكتور ربيع اراد  امرا من هذا الفصل  وهو ان سيد قطب تكلم عرضا ودون مقدمات في سيدنا موسى على السلام  حمله قلة دين وسوء أدب   لكن كيف ينجح الدكتور ربيع في الوصول الى هذه النتيجة ؟   سوف تعرفه بعد قليل

نقل الدكتور ربيع  كلاما لسيد قطب في كتابه ".  "التصوير الفني في القرآن"

لكن قبل ان انقل ما في كتاب د. ربيع  رجعت لكتاب سيد لكي اتأكد من النقل 

فلفت انتباهي  ان الدكتور ربيع  لم ينقل اسطرا قليلة قبل كلام سيد  فاستوقفني ذلك

وهذه الاسطر هي : 

صــ 199 :" رسم الشخصيات في القصة

والآن نتحدث عن اللون الثالث من ألوان التصوير في القصة ولكننا نفرده عنها وإن كان واحدا منها ذلك هو رسم الشخصيات وابرازها " اهـ

هذه الاسطر كانت قبل النقل الذي قام به الدكتور ربيع   وهي لها فائدة سوف تعرفها بعد قليل 

قال الدكتور ربيع : 


قال في كتابه "التصوير الفني في القرآن"( ١
لقد عرضنا من قبل قصة صاحب الجنتين وصاحبه، وقصة موسى
وأستاذه، وفي كل منهما نموذجان بارزان، والأمثلة على هذا اللون من
التصوير هي القصص القرآني كله؛ فتلك سمة بارزة في هذا القصص،
وهي سمة فنية محضة، وهي بذاا غرض للقصص الفني الطليق، وهاهو ذا
القصص القرآن، ووجهته الأولى هي الدعوة الدينية، يلم في الطريق ذه
السمة أيضاً، فتبرز في قصصه جميعاً، ويرسم بضع نماذج إنسانية من هذه
الشخصيات، تتجاوز حدود الشخصية المعنية إلى الشخصية النموذجية؛
فلنستعرض بعض القصص على وجه الإجمال، ولنعرض بعضها على وجه

التفصيل.


١ – لنأخذ موسى؛ إنه نموذج للزعيم المندفع العصبي المزاج.

 أ-  فها هو ذا قد ربي في قصر فرعون، وتحت سمعه وبصره، وأصبح
فتى قوياً.

وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ 


وهنا يبدو التعصب القومي، كما يبدو الانفعال العصبي.
وسرعان ما تذهب هذه الدفعة العصبية، فيثوب إلى نفسه؛ شأن
العصبيين:
 ((  قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ  قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ  قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ))


 ب- (( فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ ))وهو تعبير مصور لهيئة معروفة: هيئة المتفزغ المتلفت المتوقع للشر في كل حركة، وتلك سمة العصبيين أيضاً.


ج - ومع هذا، ومع أنه قد وعد بأنه لن يكون ظهيراً للمجرمين؛
فلننظر ما يصنع... إنه ينظر:فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ
 مرة أخرى على رجل  آخر!  قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ 

ولكنه يهم بالرجل الآخر كما هم بالأمس، وينسيه التعصب
والاندفاع استغفاره وندمه وخوفه وترقُّبه، لولا أن يذكره من يهم به
بفعلته، فيتذكر ويخشى:

 فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ 

وحينئذ ينصح له بالرحيل رجل جاء من أقصى المدينة يسعى،
فيرحل عنها كما علمنا.
فلندعه هنا لنلتقي به في فترة ثانية من حياته بعد عشر سنوات؛
فلعله قد هدأ وصار رجلاً هادئ الطبع حليم النفس.

د - كلا! فها هو ذا ينادي من جانب الطور الأيمن: أن ألق عصاك.
فألقاها؛ فإذا هي حيةٌ تسعى، وما يكاد يراها حتى يثب جرياً لا يعقب
ولا يلوى... إنه الفتى العصبي نفسه، ولو أنه قد صار رجلاً؛ فغيره كان
يخاف نعم، ولكن لعله كان يبتعد منها، ويقف ليتأمل هذه العجيبة
الكبرى.

ثم لندعه فترة أخرى لنرى ماذا يصنع الزمن في أعصابه.

هـ - لقد انتصر على السحرة، وقد استخلص بني إسرائيل، وعبر بهم البحر، ثم
ذهب إلى ميعاد ربه على الطور، وإنه لنبي، ولكن ها هو ذا يسأل ربه سؤالاً عجيباً

قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي 

ثم حدث مالا تحتمله أية أعصاب إنسانية، بله أعصاب موسى:

فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا  فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ 

عودة العصبي في سرعة واندفاع!

 هـ - ثم ها هو ذا يعود، فيجد قومه قد اتخذوا لهم عجلاً إلهاً، وفي يديهالألواح التي أوحاها الله إليه، فما يتريث وما يني " وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ "

وإنه ليمضي منفعلاً يشد رأس أخيه ولحيته ولا يسمع له قولاً:

" قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي "
وحين يعلم أن السامري هو الذي فعل الفعلة؛ يلتفت إليه مغضباً،

و- ويسأله مستنكراً، حتى إذا علم سر العجل: "قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا "

هكذا في حنق ظاهر وحركة متوترة.


فلندعه سنوات أخرى.
 س - لقد ذهب قومه في التيه، ونحسبه قد صار كهلاً حينما افترق
عنهم، ولقي الرجل الذي طلب إليه أن يصحبه ليعلمه مما آتاه الله علماً،
ونحن نعلم أنه لم يستطع أن يصبر حتى ينبئه بسر ما يصنع مرة ومرة
ومرة، فافترقا...
تلك شخصية موحدة بارزة، ونموذج إنساني واضح في كل
مرحلة من مراحل القصة جميعاً.

اذا سيد قطب  تكلم في كتابه "التصوير الفني في القرآن" عن شخصية سيدنا موسى عليه السلام  في جميع مراحلها التي كانت قبل نبوته وهي من فقرة ( أ ) الى فقرة (ج ) وهي فترة ما قبل النبوة

ثم الفترة الثانية وهو عند فرعون وهي الفقرة ( د ) 

ثم الفترة الثالثة وهم في التيه (هـ -  و- س  )

لذلك خلص سيد قطب في تفسير شخصية سيدنا موسى عليه السلام بقول :"تلك شخصية موحدة بارزة، ونموذج إنساني واضح في كل
مرحلة من مراحل القصة جميعاً. "


فليس في القضية سوء أدب او انتقاص بل تفسير لشخصية انسانية


لذا ذهب د. ربيع المدخلي  في شرح ما تقدم بقوله : الصلاة والسلام، وإن له عند الله لمترلة عظيمة ومكانة رفيعة
توجب على الناس تعظيمه وتوقيره كسائر أنبياء الله ورسله عليهم الصلاة
والسلام.............
لقد كان يكفي سيداً أن يقرأ (كتاب أحاديث الأنبياء) من
"صحيح البخاري" ليرى أنه قد أسرف واشتطَّ وحلق بعيداً في خياله
المجنح وأسلوبه القصصي في التهويل والتمثيل بما ألصقه من صفات الاندفاع والعصبية والحدة والفزع والتوتر بكليم الله ورسوله موسى عليه
الصلاة والسلام؛


فهذا التفسير من الدكتور ربيع هو من باب التهويل والتضخيم  لكي يخلص الى حكم جديد :

إن ما نسبه سيد إلى نبي الله وكليمه موسى عليه الصلاة والسلام
ينافي ما يستحقه من التبجيل والتوقير والاحترام، وذلك مما تقشعر له
الجلود، وإن حكم هذا العمل الخطير عند العلماء غليظ جداً وكبير.
راجع: كتاب "الشفاء" للقاضي عياض، وكتاب "الصارم المسلول على شاتم الرسول صلى الله عليه وسلم
" لشيخ الإسلام ابن تيمية



اذا كلام سيد قطب  شرح شخصية سيدنا موسى كما صورها القرآن من بداية قصة موسى عليه السلام  الى خاتمة حياته

وليس في كلامه الاستهزاء او عدم الاحترام او فقدان التوقير او قلة التبجيل

لكن د. ربيع  له هدف يسعى اليه وغاية يريد الوصول اليها

أول هذه الغاية هي : عدم ذكر كلمة العنوان الذي انطلق منه سيد قطب في موضوعه :رسم الشخصيات في القصة

حتى يجعلك تظن أن سيد قطب يقابل بين شخصية سيدنا موسى على السلام وشخصية ابراهيم عليه السلام 

مستفيدا من كلمة سيد قطب ((2– تقابل شخصية موسى شخصية إبراهيم.. إنه نموذج الهدوء والتسامح والحلم. [ إن ابراهيم لحليم أواه منيب ] :

لذا جاء بعد هذه اللفتة الماكرة ليقول بكل ثقة واطمئنان :"والظاهر أن سيداً ساق قصة إبراهيم عليه السلام في مقابل ما صور فيه موسى من باب: (وبضدها تتبين الأشياء)!.


أرأيت لماذا حذف الدكتور ربيع  عنوان (( رسم الشخصيات في القصة ))


ليجعل القضية بين موسى عليه السلام وبين ابراهيم عليه السلام 

بينما ذكر سيد قطب في هذا الفصل  

3- ويوسف نموذج الرجل الواعي الحصيف
4- آدم وأبليس 
5- سليمان وبلقيس

وفي ختام هذه المقالة 


فتدبر كلام سيد قطب في بابه وسياقه ولا تفسره في غير مراد قائله


قال شيخ الاسلام ابن تيمية :" فَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُفَسَّرَ كَلَامُ الْمُتَكَلِّمِ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، وَيُؤْخَذَ كَلَامُهُ هَاهُنَا وَهَاهُنَا، وَتُعْرَفَ مَا عَادَتُهُ يَعْنِيهِ

وَيُرِيدُهُ بِذَلِكَ اللَّفْظِ إِذَا تَكَلَّمَ بِهِ، وَتُعْرَفَ الْمَعَانِي الَّتِي عُرِفَ أَنَّهُ أَرَادَهَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، فَإِذَا عُرِفَ عُرْفُهُ وَعَادَتُهُ فِي مَعَانِيهِ وَأَلْفَاظِهِ،كانَ

هَذَا مِمَّا يُسْتَعَانُ بِهِ عَلَى مَعْرِفَةِ مُرَادِهِ.

وَأَمَّا إِذَا اسْتُعْمِلَ لَفْظُهُ فِي مَعْنًى لَمْ تَجْرِ عَادَتُهُ بِاسْتِعْمَالِهِ فِيهِ، وَتُرِكَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْمَعْنَى الَّذِي جَرَتْ عَادَتُهُ بِاسْتِعْمَالِهِ فِيهِ، وَحُمِلَ كَلَامُهُ

عَلَى خِلَافِ الْمَعْنَى الَّذِي قَدْ عُرِفَ أَنَّهُ يُرِيدُهُ بِذَلِكَ اللَّفْظِ بِجَعْلِ كَلَامِهِ مُتَنَاقِضًا، وَتَرْكِ حَمْلِهِ عَلَى مَا يُنَاسِبُ سَائِرَ كَلَامِهِ، كَانَ ذَلِكَ

تَحْرِيفًا لِكَلَامِهِ عَنْ مَوْضِعِهِ، وَتَبْدِيلًا لِمَقَاصِدِهِ وَكَذِبًا عَلَيْهِ.


ولكن ان تحكم بعد ان تتدبر الفرق بين الكلامين كلام سيد وكلام ربيع

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الرد على السيف اليماني في نحر الاصفهاني صاحب الاغاني

الفرق بين المبدا والرأي (( نقاش ))

الشاعر حامد زيد و (( حاتم الطائي ))