بحث في السعادة

قال الجاحظ  في كتاب الحيوان  :

 وقال مَن يخالفه : لا يخلو صاحب البدَن الصَّحيحِ والمال الكثير مِنْ أن يكون بالأُمور عالماً أو يكونَ بها جاهلاً فإن كانَ بها عالماً فعلمُه بها لا يتركه حتَّى يكون له من القول والعَمل على حسب علمه لأنَّ المعرفة لا تكون كعدمها لأنَّها لو كانت موجودة غيرَ عاملة لكانت المعرفة كعدمها وفي القول والعملِ ما أوجبَ النَّباهة وأدنى حالاته أنْ تُخرِجه من حدِّ الخمول ومتى أخرجته من حدِّ الخمول فقد صار معرَّضاً لمن يقدر على سلبه وكما أنَّ المعرفة لا بدَّ لها من عملٍ ولا بدَّ للعمل من أن يكون قولاً أو فعلاً والقول لا يكونُ قولاً إلاَّ وهناك مَقُول له والفعلَ لا يكون فعلاً إلاَّ وهناك مفعول له وفي ذلك ما أخْرَج من الخمول وعُرِف به الفاعل وإذا كانت المعرفةُ هذا عملُها في التنبيه على نفسها فالمالُ الكثيرُ أحقُّ بأنَّ عملَه الدّلالةُ على مكانه والسِّعايةُ على أهله والمالُ أحقُّ بالنميمة وأولى بالشكر وأخدع لصاحبه بل يكون له أشدَّ قهراً ولحيِّه أشدَّ فساداً وإن كانتْ معرفتُه ناقصةً فبقدْر نقصانها يجهل مواضع اللذة وإن كانت تامَّةً فبقدْر تمامها يُنْفَى الخمول ويُجلبُ الذِّكر وبعدُ فليس يَفْهم فضيلة السلامة وحقائق رُشْدِ العافية الذين ليس لهمْ ) 
 من المعرفة إلاَّ الشَّدْو وإلاَّ خلاَق أوساطِ الناس ومتى كان ذلك  كذلك لم يُعرَف المدْخَل الذي من أجله يَكره ذو المال الشُّهرة ومن عَرَفَ ذلك على حقِّهِ وصدقِهِ لم يدَعّه فهمُهُ لذلك حتّى يدلَّ على فهمه وعلى أنَّه لا يفهم هذا الموضعَ حتَّى يفهم كلَّ ما كان في طبقته من العلم وفي أقلَّ مِن ذلك ما يَبين به حاله مِن حال الخامل وشروط الأمانيّ غيرُ شروط جوازِ الأفعال وإمكانِ الأمورِ وليس شيء ألذُّ ولا أسرُّ مِن عِزِّ الأمر والنهي ومن الظَّفرِ بالأعداء ومن عَقْد المنَن في أعناق الرجال والسُّرورِ بالرِّياسة وبثمرة السيادة لأنَّ هذه الأمورَ هي نصيبُ الرُّوح وحَظُّ الذهن وقِسْمُ النَّفس فأَمَّا المطعم والمشرب والمنكح والمشمَّة وكلُّ ما كان من نصيب الحواسّ فقد علمْنا أنَّ كُلَّ ما كانَ أشدَّ نَهَماً وأرغبَ كانَ أتمَّ لوجدانه الطعم وذلك قياسٌ على مواقع الطُّعْم من الجائع والشرابِ من العطشان ولكنَّا إذا ميَّلْنا بين الفضيلة التي مع السُّرور وبين لذّة الطعام وما يُحدِث الشَّره له من ألمِ السهر والالتهاب والقلق وشدَّةِ الكلب رأينا أنََّّ صاحِبَهُ مفضولٌ غيرُ فاضل هذا مَعَ ما يُسَبُّ به ومع حمله له على القبيح وعلى أنّ نعمتَهُ متى زالتْ لم يكن أحدُ أشقى منْهُ هذا مع سرور العالم بما وهَبَ اللَّه لَهُ من السلامة من آفة الشَّرَه ومِن فسادِ الأخلاط . 
 وبعدُ فلا يخلو صاحبُ الثَّروة والصامتِ الكثيرِ الخاملُ الذكر مِن أن يكونَ ممّن يرَغب في المركب الفارِه والثوب اللينِ والجاريةِ  الحسنةِ والدار الجيّدة والمطْعَم الطيِّب أو يكون ممن لا يرغب في شيءٍ من ذلك فإن كان لا يرغب في هذا النوع كلِّه ولا يعمل في ماله للدَّار الآخرةِ ولا يُعجَب بالأُحدوثة الحسنة ويكونُ ممن لا تعْدو لذّتُهُ أن يكون كثير الصامت فإنّ هذا حمارٌ أو أفسَدُ طبْعاً من الحمار وأجْهَل من الحمار وقدْ رضي أن يكونَ في مَاله أسوأ حالاً من الوكيل وبعدُ فلا بُدَّ للمال الكثير من الحِراسةِ الشَّديدة ومن الخوف عليه فإن أعَملَ الحِراسة له وتَعب في حفظه وَحَسَبَ الخوف خرجَ عليه فضْلٌ فإنْ هو لم يَخَفْ عليهِ ولاَ يكون ذلك في سبيل التوكُّل فهو في طباع الحمار وفي جهْله والذي أوجب لَهُ الخمول ليؤدِّيه إلى سلامة المال لَهُ قَدْ أعْطاهُ من الجهلِ مَا لا يكون مَعَهُ إلاّ مثْلُ مقْدَار لذة البهيمةِ في أكل الخَبَط وإنْ هو ابتاع فُرَّهَ الدواب وفُرَّهَ الخَدم والجَواري واتخذَ الدارَ الجيِّدة والطعَام الطيِّب والثّوب الليّنَ وأشباهَ ذلك فقد دلَّ على مَالِهِ ومَن كانَ كَذلِكَ ثُمَّ ظَهرتْ لَهُ ضَيْعَةٌ فاشية أو تجارةَ ) مُرْبحة يحتمل مثلَ ذلكَ الذي يظهَر من نفقته وإلا فإنَّه سيُوجَد في اللُّصُوصِ عْند أوَّل مَن يقطع عليْهِ أو مكابرة تكُون أو تَعب يؤخذ لأهله المال العظيم  ولو عنى بقوله الخمول وصحةَ البدنِ والمال فذَهب إلى مقدارٍ من المال مقبولاً ولكن ما لمن كان مالُه لا يجاوز هذا المقدارَ يَتهيَّأ الخمول ولعمري إنّ الخمولَ لَيكونُ في طبقاتٍ كثيرة
____________________

____________________

____________________

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الرد على السيف اليماني في نحر الاصفهاني صاحب الاغاني

الفرق بين المبدا والرأي (( نقاش ))

الشاعر حامد زيد و (( حاتم الطائي ))