اجعلْ هدفك الناخب وليس المرشح .


عندما نخطأ التحليل نخطأ الطريق ، وعندما نفقد القدرة على التامل يغلبنا الملل 

هناك فجوة كبيرة بين صاحب النظريات وبين صاحب التطبيقات ،

صاحب النظريات انسان فقد وجوده في عالمه الذي يعيشه الى عالم قد اخترعه 


ومن اصحاب النظريات ما كتبه افلاطون في كتابه المشهور باسم (( الجمهورية )) التي رسم فيها خياله الى تلك المدينة

التي قد ارتقت بافرادها وصعد معها اتباعها وتخلص من تلك الشوائب التي تعيق التقدم 

والرقي والتميز وعندما وصل الامر الى المسلمين من اتباع المذهب الفلسفي وهو الفارابي 
فاراد ان يحقق ما عجز عنه افلاطون فألف كتابه الكبير المعروف باسم (( آراء اصحاب المدينة

الفاضلة 
)) وكتب فيه ما طمع ان يحققه الانسان في تلك المدينة من نظريات ومن افكار وظل

الحال ينتقل من فيلسوف الى اخر وكل منهم يحاول ان يجد ما فقده في عالمه الى ان يخترع العالم الذي يريد



ولكن لما وصل الامر الى رجل خبيث النية ، صادق المعلومة ، مرهف الحس ، بعيد النظرة والفكرة ، وهو السياسي الايطالي ((ميكاافيلي )) فالف كتابا اطلق عليه اسم (( الامير )) اراد ان يتفوق على الفلاسفة ويسعى الى الامير بدل ان يسعى الى القانونالذي صُنع لعالَم غير موجود فميكافيلي اعطى الامير كل ما يحتاجه ليثبت ملكه ويقيم مملكته حتى صيغة عبارة اشتهرت عنه وهي (( الغاية تبرر الوسيلة ))


وهكذا تاهت البشرية بين فلاسفة خسروا الواقع على حساب الخيال الذي اخترعوه وزعموا انها الاخلاق التي بحثوا عنها وبينسياسي اراد الواقع الذي يأمل فيه على حساب الاخلاق التي تنجي البشرية من الظلم والهلاك 

والنفس البشرية اما ان يأخذها الافراط في التنزه ام يمسك بها الافراط في التنازل عن الاخلاق ، والذي يهذب هذه النفس حتى تستقيم وتكون متوازنة هي الشريعة الربانية ، لان الذي خلق الانسان هو القادر فقط على فهم ما يصلح لهم وما ينفعهم ويضرهم


ومن رجع الى السيرة النبوية وجد كل اصناف السياسة المتبعة بين اتباع الفلاسفة والسياسيين الذين ينظرون الى الامور من زاوية المصالح وزاوية الوجاهة والعظمة

ارسل النبي صلى الله عليه وسلم الى الناس كافة بشيرا ونذيرا ، فحاول المشركون ان يقسموا الناس الى اصناف 

فتولى الله الرد عليهم :

{وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ }الأنعام52

وهي سنة في الملأ من الذين يرفضون الهدى والنور
قال تعالى : {قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ }الشعراء111

فهي سلطة لا تقبل القسمة اما ان تكون السلطة والنفوذ لفئة معينة ترا انها هي الوحيدة القادرة على ادارة الحياة بطريقتها التي تراها (( وطريقتها الهوى والشهوات والشبهات ))
كما قال فرعون :
(قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ }غافر29


فلذا قال الله لرسوله :
{وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْأَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً }الكهف28

وهناك اسلوب اخر قد يقوم به الملأ وهو ربط التفوق بالشرف والمكانة :
{وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ }الزخرف31


وهذا اسلوب متبع الى يوم الناس هذا


وبعد هذه الرحلة القصيرة مع الملأ والدعوة أيا كانت هذه الدعوة ، لا بد ان تكون الدعوة مقنعة للفئة البسيطة فهم الذينيحملونها ويقومون بواجبها ، لكن تختلف الشريعة الربانية عن غيرها انها لا تظلم اتباعها ولا تهضم حقوقهم

وعندما يقف الانسان امام حديث هرقْل يعرف النظرة الصحيحة للسياسة الحكيمة:


وسألتك أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم فذكرت أن ضعفاؤهم اتبعوه وهم أتباع الرسل وسألتك أيزيدون أم ينقصون فذكرت أنهم يزيدون وكذلك أمر الإيمان حتى يتم . وسألتك أيرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه فذكرت أن لا وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب .


ومصداق ذلك ان رؤوس الناس في خلافة ابي بكر الصديق كانوا المستضعفين في مكة وكان الملأ كعكرمة بن ابي جهل وصفوان بن امية وسهيل بن عمرو ظنوا ان شرفهم في الجاهلية سوف يشفع لهم في الاسلام ويجعلهم رؤوسا فلم يجدوا ذلك فخرجوا من عند ابي بكر وهم حزينون فأقبل سهيل على أصحابه وكان شريفا عاقلا فقال لهم لا تجزعوا مما ترون فإنهم دعوا ودعينا فأجابوا وأبطأنا ولو ترون فضائل من سبقكم إلى الإسلام عند الله عليكم ما نفعكم عيش وما من أعمال الله عمل أفضل من الجهاد في سبيل الله فانطلقوا حتى تكونوا بين المسلمين وبين عدوهم فتجاهدوهم دونهم حتى تموتوا فلعلنا أن نبلغ فضل المجاهدين فخرجوا حينئذ إلى جهاد الروم


فالذي يريد الطريق الصحيح الى سياسة صحيحة ان يبدأ في الناخب وليس في المرشح تطبيقا

للمثل الذي يقول (( كما تكونون يولى عليكم ))



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الرد على السيف اليماني في نحر الاصفهاني صاحب الاغاني

الفرق بين المبدا والرأي (( نقاش ))

الشاعر حامد زيد و (( حاتم الطائي ))