د.حاكم عبيسان المطيري ...وحكم الردة

بسم الله الرحمن الرحيم

في كتاب تحرير الانسان للدكتور حاكم المطيري  مباحث جميلة وتنظير رائع وجمع كبير للخطاب السياسي الديني

لم يسبق الناس الى ما في الكتاب لكنه جمع في كتابه ما تفرق في غيره

ولكن لفت نظري ما جاء في صـ 364 - 365 - 366 -367 في الهامش رقم 4  ما ملخصه

1- حرية الاعتقاد لاتعني حق المسلم في الاعلان عن ردته ورجوعه عن الاسلام
2- اذ هذا الاعلان طعن صريح في الدين الاسلامي واعتداء على عقيدة الامة
3- والصحيح أن قول عمر صريح في جواز حبسه واستتابته أبدا دون قتل
4- فدعوى الاجماع على قتله فيها نظر
5- وهو يؤكد بطلان دعوى الاجماع على وجوب القتل او الحبس
6- والظاهر أن هذا الحكم عند العمرين عمر بن الخطاب وعمر بن عبدالعزيز هو من باب السياسة الشرعية وأنه تراعى فيه المصلحة
7- فقد شرع حكم الردة في الاصل لقطع دابر فتنة اليهود ..........فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل من بدل دينه لردعهم عن فتنتهم
8- فرأي العمران أن قوله تعالى : ( لا إكراه في الدين ) أصل في هذا الباب
9- وأن حديث (من بدل دينه فاقتلوه ) تشريع مصلحي يدور مع علته وجودا وعدما وتراعى فيه المصلحة والسياسة الشرعية
10- فللامام العمل بحديث ( من بدل دينه ) اذا ظهر من المرتد قصد الفتنة واثارة الشر والطعن في النبي صلى الله عليه وسلم
11- وله سجنه ان كانت عرضت له شبهة حتى يتوب ويرجع
12- وله تركه وعدم التعرض له ان كان حديث عهد باسلام
13- او يبقى على عهده وذمته
14- وهو ظاهر القران ( لا اكراه في الدين ) فلسيت حال القوة والاستخلاف كحال الخوف والاستضعاف

............................................

هذا هو ملخص تلك الصفحات  لنا عليه ملاحظات

اولا : اكتفى الدكتور حاكم  بما جاء في كتاب ابن حزم  في عرضه للمسألة  وهذا قصور كبير لذا كانت خاتمة الحاشية رقم 4  نتيجة لم يسبق اليها فيما قرأت  من بحوث حول قضية  الردة

ثانيا : احتج الدكتور  بأثر عمر بن الخطاب وهو  : عن أنس رضي الله عنه قال بعثني أبو موسى بفتح تستر إلى عمر رضي الله عنه فسألني عمر وكان ستة نفر من بني بكر بن وائل قد ارتدوا عن الإسلام ولحقوا بالمشركين فقال ما فعل النفر من بكر بن وائل قال فأخذت في حديث آخر لأشغله عنهم فقال  ما فعل النفر من بكر بن وائل قلت يا أمير المؤمنين قوم ارتدوا عن الإسلام ولحقوا بالمشركين ما سبيلهم إلا القتل فقال عمر لأن أكون أخذتهم سلما أحب إلي مما طلعت عليه الشمس من صفراء أو بيضاء قال قلت يا أمير المؤمنين وما كنت صانعا بهم لو أخذتهم قال كنت عارضا عليهم الباب الذي خرجوا منه أن يدخلوا فيه فإن فعلوا ذلك قبلت منهم وإلا استودعتهم السجن 


وهذا الحديث من طريق عامر الشعبي عن انس  اخذ الدكتور بكلام عمر ونسي كلام انس بن مالك وهو (( قوم ارتدوا عن الاسلام ولحقوا بالمشركين  ما سبيلهم الا القتل ))

فالقضية التي بين عمر بن الخطاب وبين انس بن مالك هي الاستتابة وليس القتل

فقد جاء عن عمر بن الخطاب  حديث صريح واضح :  روى ابن ابي شيبة 10\137 : حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : لَمَّا قَدِمَ عَلَى عُمَرَ فَتْحُ تَسْتُرَ ، وَتَسْتُرُ مِنْ أَرْضِ الْبَصْرَةِ ، سَأَلَهُمْ : هَلْ مِنْ مُغْرِبَةٍ ؟ قَالُوا : رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَحِقَ بِالْمُشْرِكِينَ فَأَخَذْنَاهُ ، قَالَ : فَمَا صَنَعْتُمْ بِهِ ؟ قَالُوا : قَتَلْنَاهُ ، قَالَ : أَفَلاَ أَدْخَلْتُمُوهُ بَيْتًا ، وَأَغْلَقْتُمْ عَلَيْهِ بَابًا ، وَأَطْعَمْتُمُوهُ كُلَّ يَوْمٍ رَغِيفًا ، ثُمَّ اسْتَتَبْتُمُوهُ ثَلاَثًا ، فَإِنْ تَابَ ، وَإِلاَّ قَتَلْتُمُوهُ ، ثُمَّ قَالَ : اللَّهُمَّ لَمْ أَشْهَدْ ، وَلَمْ آمُرْ ، وَلَمْ أَرْضَ إِذْ بَلَغَنِي ، أَوْ قَالَ : حِينَ بَلَغَنِي.

واخرجه عبدالرزاق في مصنفه 10-163 : أخبرنا عبد الرزاق عن معمر قال أخبرني محمد بن عبد الرحمن بن عبد القارىء عن أبيه قال قدم مجزأة بن ثور [ ص 165 ] أو شقيق بن ثور على عمر يبشره بفتح تستر فلم يجده في المدينة كان غائبا في أرض له فأتاه فلما دنا من الحائط الذي هو فيه كبر فسمع عمر رضي الله عنه تكبيره فكبر فجعل يكبر هذا وهذا حتى التقيا فقال عمر ما عندك قال أنشدك الله يا أمير المؤمنين إن الله فتح علينا تستر وهي كذا وهي كذا وهي من أرض البصرة وكان يخاف أن يحولها إلى الكوفة فقال نعم هي من أرض البصرة هيه هل كانت مغربة تخبرناها قال لا إلا أن رجلا من العرب ارتد فضربنا عنقه قال عمر ويحكم فهلا طينتم عليه بابا وفتحتم له كوة فأطعمتموه كل يوم منها رغيفا وسقيتموه كوزا من ماء ثلاثة أيام ثم عرضتم عليه الإسلام في اليوم الثالث فلعله أن يراجع ثم قال اللهم لم أحضر ولم آمر ولم أعلم 


فهذا الحديث  يبين لنا  ان الخلاف  حول مدة الاستتابة  وليس حول القتل من عدمه 



ثالثا : احتج الدكتور بفعل عمربن عبدالعزيز وهو :   أخبرنا عبد الرزاق عن معمر قال أخبرني قوم من أهل الجزيرة أن قوما أسلموا ثم لم يمكثوا إلا قليلا حتى ارتدوا فكتب فيهم ميمون بن مهران إلى عمر بن عبد العزيز فكتب إليه عمر أن رد عليهم الجزية ودعهم   

وعلق عليه قائلا : وقد أخذ بهذه السنة العمرية الخليفة الراشد عمر بن عبدالعزيز :

وقد جاء في المصنف لعبدالرزاق قبل هذا الحديث ما يلي : أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن سماك بن الفضل أن عروة كتب إلى عمر بن عبد العزيز في رجل أسلم ثم ارتد فكتب إليه عمر أن سله عن شرائع الإسلام فإن كان قد عرفها فاعرض عليه الإسلام فإن أبى فاضرب عنقه وإن كان لم يعرفها فغلظ الجزية ودعه 

رابعا : احتج الدكتور بحديث لعمر بن الخطاب فقال : وروى سعيد بن منصور في سننه اثر 2588 وفيه أن تستر فتحت صلحا ثم كفر اهلها فغزاهم المهاجرون وسبوهم فأمر عمر بن الخطاب من سبي منهم ان يردوا الى جزيتهم وفرق بينهم وبين سادتهم .

والذي في في سنن سعيد بن منصور : حَدَّثَنَا سَعِيدٌ قَالَ: نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ : حَدَّثَنِي عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ: قَالَ كَانَتْ تُسْتَرُ صُلْحًا وَكَفَرَ أَهْلُهَا، فَغَزَاهُمُ الْمُهَاجِرُونَ، فَأَصَابَ الْمُسْلِمُونَ نِسَاءَهُمْ حَتَّى وَلَدْنَ لَهُمْ، فَلَقَدْ رَأَيْتُ بَعْضَ أَوْلَادِهِمْ مِنْهُمْ، فَأَمَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَنْ سَمَّى مِنْهُمْ فَرَدُّوهُمْ عَلَى جِزْيَتِهِمْ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ سَادَتِهِمْ "


فالكفر هنا في الصلح وليس الرجوع من الاسلام الى الكفر  


خامسا :  قول ابراهيم النخعي :  قال الدكتور  : وقد أخذ به الخليفة الراشد عمر بن العزيز وامام التابعين ابراهيم النخعي  وامام اتباع التابعين سفيان الثوري  كما رواه عنهما عبدالرزاق في المصنف فقالوا يستتاب أبدا ولا يقتل  .



 جاء في مصنف  ابن ابي شيبة  اثر رقم 29592 حَدَّثَنَا هُشَيْمٍ ، عَنِ الْمُغِيرَةِ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ؛ فِي الْمُرْتَدُّ يُسْتَتَابُ ، فَإِنْ تَابَ تُرِكَ ، وَإِنْ أَبِي قُتِلَ.






   سادسا :  دعوى الاجماع  ذهب الدكتور الى ان الاجماع فيه نظر  وان من ادعى الاجماع فدعواه باطلة 

وقد نقل الاجماع كل من 

 1 - قال ابن قدامة في المغني :  وأجمع أهل العلم على وجوب قتل المرتد وروي ذلك عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ومعاذ وأبي موسى وابن عباس وخالد وغيرهم ولم ينكر ذلك فكان إجماعا

-- وقال النخعي : يستتاب أبدا وهذا يفضي إلى أن لا يقتل أبدا وهو مخالف للسنة والاجماع وعن علي أنه استتاب رجلا شهرا


2 - قال ابن حزم في مراتب الاجماع :  واتفقوا ان من كان رجلا مسلما حرا باختياره وباسلام أبويه كليهما أو تمادى على الاسلام بعد بلوغه ذلك ثم ارتد الى دين كفر كتابي أو غيره وأعلن ردته واستتيب في ثلاثين يوما مائة مرة فتمادى على كفره وهو عاقل غير سكران أنه قد حل دمه الا شيئا رويناه عن عمر وعن سفيان وعن ابراهيم النخعي انه يستتاب ابدا 


قال عادل : وقد تقدم  شرح  كلام سيدنا عمر وابراهيم وسفيان 


_____________

قال ابن عبدالبر في التمهيد :



قال أبو عمر:
روي من وجوه أن عليا إنما حرقهم بالنار بعد ضرب أعناقهم وسنذكر بعض الأخبار بذلك في آخر هذا الباب إن شاء الله.وفقه هذا الحديث أن من ارتد عن دينه حل دمه وضربت عنقه والأمة مجتمعة على ذلك وإنما اختلفوا في استتابته





فالقتل بالردة على ما ذكرنا لا خلاف بين المسلمين فيه ولا اختلفت الرواية والسنة عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه وإنما وقع الاختلاف في الاستتابة وفيما ذكرنا من المرتدة.

............................

قال الترمذي : والعمل على هذا عند أهل العلم في المرتد واختلفوا في المرأة إذا ارتدت عن الإسلام فقالت طائفة من أهل العلم تقتل وهو قول الأوزاعي و أحمد و إسحق وقالت طائفة منهم تحبس ولا تقتل وهو قول سفيان وغيره من أهل الكوفة 

.............................................


قال شيخ الاسلام ابن تيمية في الصارم المسلول  :


 فهذه أقوال الصحابة في قضايا متعددة لم ينكرها منكر فصارت إجماعا 


هذه عجالة الراكب  في فكرة  الردة في كتاب تحرير الانسان  لم يحسن الدكتور الاستدلال  له  فاخطأ حيث اراد الاصابة 

ولعل في هذه الكلمات ما تجعل الدكتور  يعيد  بحث المسألة 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الرد على السيف اليماني في نحر الاصفهاني صاحب الاغاني

الفرق بين المبدا والرأي (( نقاش ))

الشاعر حامد زيد و (( حاتم الطائي ))