زين للناس حب الشهوات


كتب سنة 2011

كتبه عادل بن حزمان
كنت يوما جالسا عند الاخ عبدالرحمن السنافي وهو شاب محب للادب واسع الحفظ جماعا للكتب النفيسة والنادرة

وكنت معه في حديث شيق وتحدثنا عن الامام (( مصطفى صادق الرافعي )) وهو اديب معاصر

فاخبرني عن الرسائل التي بين الرافعي وبين أبي رية

ولم اكن سمعت عن هذه الرسائل فاستعرت الكتاب وقرأته بشغف لانه يكشف اشياء كثيرة عن شخصية الرافعي لم اجدها في كتاب العريان (( حياة الرافعي ))


ومما قرأت في هذا الكتاب (( رسائل الرافعي )) تفسير آية (( زين للناس حب الشهوات ))

وبحثت عنها في النت لعلي اجدها مكتوبة ولكن للأسف لم اجد فقمت بنسخها وها أنا اضعها بين ايديكم


تفسير آية (( زين للناس ))

راجعت عن آية ((زين للناس )) تفسير الشيخ محمد عبده وتفسير الالوسي فلم أرَ فيهما ما يهدي الى السر في هذه الاية والمفسرون جميعا متفقون على ان (( حب الشهوات )) يراد به المشتهيات فالمعنى زين للناس المشتهيات من النساء الخ وهذا يجعل الاية موضوع نقد ويذهب بسر التعبير (( بحب الشهوات ))وإعجاز هذه الاية هو في لفظة (( حب الشهوات )) فلو قال المشتهيات او الشهوات او حب النساء لما كان ذلك شيئا والشهوات وظائف طبيعية في الناس فكونها زينت للناس امر لا معنى له وليس فيه جديد ولكن (( تزيين حبها )) هو السر كل السر لأن حبها هو سبيل الحرص عليها والاكثار منها كالذي يجد ما لا ينتفع به فالمال في نفسه منفعة وليس في ذلك شي عجيب ولكن الذي يبتلى (( بحب )) المال تنقلب فيه هذه المنفعة ضررا فيبخل ويبتلى بالحرص ثم يبتليه الحرص على المال بمحق حياته كلها
فالشأن إذن ليس في المشتهيات ولا في الشهوات ولكن في (( حب الشهوات )) ثم إن حب الشهوات متى كان سببا في الحرص عليها والاكثار منها فهو خطأ وضرر فاذا (( زُيِّن )) ذلك للانسان كان أشد ضررا وأمعنَ في باب الخطأ وهذه هي حكمة استعمال (( زُين )) فكأن هناك ثلاث درجات : الشهوة وهي عمل طبيعي ، ثم حب الشهوة ، وهذه إضافة جديدة من العقل تزيد فيها ، ثم تزيين هذا الحب ، وهي إضافة ثانية تزيد في الزيادة وتضاعف الخطأ ، وعلى هذا تلحق الشهوات في هذا الترتيب بالحد الخارج عن العقل وهذا الحد هو أول الجنون كما يشاهد في ذهاب أثر العقل وضعف حكمه عند (( تزيين شهوة محبوبة )) بحيث لا يبقى للعقل حكم ولا حكمة مع هذا التزيين
وجُعلت ((زُين )) مبنية للمجهول لأن بعض هذا محبوب محمود فهو من زينة الله ويدخل في قوله تعالى (( قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده )) وبعضه مذموم مكروه فهو من تزيين الغرائز الفاسدة وبعضه حمق وجنون فهو من تزيين الشيطان

والغرض من الآية تجاوز الحد المعقول من شهوات الدنيا فإن تجاوزه يجعل الدنيا هي الغاية مع أنها وسيلة فقط ولهذا قال (( ذلك متاع الحياة الدنيا )) ثم انه قال (( حُب الشهوات )) بالجمع ولم يقل الشهوة فتكون (( الشهوات )) مختلفة متباينة ، تقدّر كل واحدة باعتبارها الخاص في الاصناف التي وردت في الآية ، فالشهوة للنساء غيرها من البنين وهذه غيرها من المال وهذه غيرها من الخيل المسوّمة الخ فكل واحدة ذات شأن خاص في النفس كما هو مشاهد ولكن الجنون بها كلها متى (( زين حبها في النفس )) شي واحد

وانظر الحكمة العجيبة في الترتيب ، فالنساء شهوات من الغريزة والعاطفة
والبنين شهوات من العاطفة والنفس ،والمال الكثير من النفس فقط والخيل المسمومة والانعام والحرث هذه الثلاثة تارة أجزاء من المال وتارة أجزاء من عاطفة النفس كما يغرم بالخيل بعض الناس أو بالانعام أو بالزراعة ولذلك جاءت في الآية بعد النساء والبنين لأنها لاحقة بالغريزة والعاطفة والنفس
ويدخل في الخيل المسوّمة كل ما يقتنى للمباهاة والزينة أو لأغراض القوة على إطلاقها ومنه السيارات والطيارات الخ ويدخل في الانعام كل ما يقتني للتجارة والكسب وفي الحرث كل ما يقتني للاعتمال والايجاد ومنه المصانع والمعامل الخ فاذا حققنا هذا وجدنا هذه الابواب جامعة لكل الشهوات الناشئة من جميع قوى الجسم الانساني والنفس الانسانية

اما ما كان خاصا بشهوات العقل فلم يدخل في الآية وهذا ومن أعجب اعجازها لأن أمور العلوم والفنون (( لا تزين )) الا لفريق محدود من الناس أي لا يزين حب الشهوات منها وهذا الفريق عادة هم النوابغ العبقريون وهؤلاء العبقريون في الحقيقة لا يجدون من العلوم والفنون (( متاع الحياة الدنيا )) ولكن مصائب الحياة الدنيا

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الرد على السيف اليماني في نحر الاصفهاني صاحب الاغاني

الفرق بين المبدا والرأي (( نقاش ))

الشاعر حامد زيد و (( حاتم الطائي ))