الجاحظ ورسالة ((المعاد والمعاش ))



رغم حبي لمصطفى السباعي الا انني اجد نفسي مع الجاحظ اوفق

وهذه بعض كلامه في رسالته الغريبة العجيبة (( المعاد والمعاش ))


فأوّل ما أوصيك به ونفسي تقوى اللَّه؛ فإنها جماع كل خير، وسبب كل نجاة، ولقاح كل رشد. هي أحرز حرزٍ، وأقوى معين، وأمنع جُنَّة. هي الجامعة محبة قلوب العباد، والمستقبلة بك محبة قلوب من لا تجري عليهم نعمك. فاجعلها عدتك وسلاحك، واجعل أمر الله ونهيه نصب عينيك.




ولله ابتلاءان في خلقه - والابتلاء هو الاختبار - ابتلاء بنعمة، وابتلاء بمصيبة. وبقدر عظمها يجب التكليف من الله عليها؛ فبقدر ما خولك من النعمة يستأديك الشكر.



وقد قال بعض الحكماء: " ليس بحكيمٍ من لم يعاشر من لا يجد من معاشرته بداً، بالعدل والنَّصفة، حتى يجعل الله له من أمره فرجاً ومخرجاً.



واحذر كل الحذر أن يختدعك الشيطان عن الحزم فيمثل لك التواني في صورة التوكل، ويسلبك الحذر، ويورثك الهوينا بإحالتك على الأقدار؛ فإن الله إنما أمر بالتوكل عند انقطاع الحيل، والتسليم للقضاء بعد الإعذار، بذلك انزل كتابه، وأمضى سنته فقال: " خذوا حذركم " ، " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " . وقول النبي صلى الله عليه وسلم: " اعقلها وتوكل " . وسُئل ما الحزم؟ فقال: الحذر.



واعلم أن الصمت في موضعه ربما كان أنفع من الإبلاغ بالمنطق في موضعه، وعند إصابة فرصته. وذاك صمتك عند من يعلم أنك لم تصمت عنه عياً ولا رهبة. فليزدك في الصمت رغبةً ما ترى من كثرة فضائح المتكلمين في غير الفرص، وهذر من أطلق لسانه بغير حاجة.


واعلم أن طبع النفوس - إذ كان على حسب العلو والغلبة - أن في تركيبها بغض من استطال عليها. فاستدع محبة العامة بالتواضع، ومودة الأخلاء بالمؤانسة والاستشارة، والثقة والطمأنينة.


والصبر صبران: فأعلاهما أن تصبر على ما ترجو فيه الغنم في العاقبة. والحلم حلمان: فأشرفهما حلمك عمن هو دونك. والصدق صدقان: أعظمهما صدقك فيما يضرُّك. والوفاء وفاءان: أسناهما وفاؤك لمن لا ترجوه ولا تخافه. فإن من عرف بالصدق صار الناس له أتباعاً، ومن نسب إلى الحلم ألبس ثوب الوقار والهيبة وأبهة الجلالة، ومن عرف بالوفاء استنامت بالثقة به الجماعات ومن استعز بالصبر نال جسيمات الأمور.
ولعمري ما غلطت الحكماء حين سمتها أركان الدين والدنيا
.



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الرد على السيف اليماني في نحر الاصفهاني صاحب الاغاني

الفرق بين المبدا والرأي (( نقاش ))

الشاعر حامد زيد و (( حاتم الطائي ))