( الحكمة في تخالف النزعات والميول )




قال الجاحظ في كتاب الحيوان   ............ولولا أنَّ ناساً من كلِّ جيل وخصائص من كلِّ أمَّة يلهجون ويَكْلَفون بتعرُّف معاني آخرين لدرستْ ولعلَّ كثيراً من هؤلاء يُزْري على أولئك ويعجِّب الناسَ من تفرُّغهم لما لا يجدي وتركهم التشاغلَ بما يُجْدِي فالذي حبَّب لهذا أن يرصُد عمر حِمار أو وَرَشَانٍ أو حيَّة أو ضبٍّ هو الذي حبَّب إلى الآخر أن يكون صيَّاداً للأفاعي والحيَّات يتتبَّعُها ويطلُبها في كلِّ واد وموضع وجَبَلٍ للترياقات وسخَّرَ هذا ليكون سائسَ الأُسْدِ والفُهود والنُّمُور والببور وترك من تِلقاء نفسِه أن يكونَ راعيَ غنم . 
 والذي فرَّق هذه الأقسام وسخَّر هذه النفوسَ وصَرف هذه العقول لاستخراجِ هذه العلوم من مدافِنها وهذه المعاني من مخابِيها هو الذي سخَّر بَطْليمُوس مع مُلْكِه وفلاناً وفلاناً للتفرُّغِ للأمور السماويَّة ولِرعايِة النجوم واختلاف مَسير الكواكب وكلٌّ ميسَّرٌ لَمِا خُلِق له لتَتمَّ النعمة ولتكمُل المعرفة وإنما تأبَّى التيسير للمعاصي . 


 فأمَّا الصناعاتُ فقد تقصُر الأسباب بعضَ الناس على أن يصير حائكاً وتقصرُ بعضَهم على أن يكون صَيْرَفيّاً فهي وإن قصَرتْه على الحِياكِة فلم تقصُرْه على خُلْف المواعيد وعلى إبدال الغُزُول وعلى تشقيق العملِ دونَ الإحكام والصدق وأداءِ الأمانة ولم تقصر الصيرفيَّ على التطفيف في الوزِن والتغليط  في الحساب وعلى دسِّ المموَّه تعالى اللهّ عزَّ وجلَّ عن ذلك علواً  كبيراً . 



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الرد على السيف اليماني في نحر الاصفهاني صاحب الاغاني

الفرق بين المبدا والرأي (( نقاش ))

الشاعر حامد زيد و (( حاتم الطائي ))