الشاعر والناقد (( هل أنت واحد منهما )) ؟؟؟


الشاعر والناقد مكملان لبعضهما


الشاعر : قائد الالفاظ والمعاني ومطلق العنان للخيال

الناقد : هو الخبير والحارس الذي يخشى قصور الشاعر عن تحقيق الاهداف



وقد ذهب الاديب الكبير الرافعي الى تعريف الشاعر فقال : الشاعر في رأينا هو ذاك الذي يرى الطبيعة كلها بعينين لهما عشقخاص وفيهما غزل على حدة، وقد خلقتا مهيأتين بمجموعة النفس العصبية لرؤية السحر الذي لا يرى إلا بهما، بل الذي لا وجود له في الطبيعة الحية لولا عينا الشاعر، كما لا وجود له في الجمال الحي لولا عينا العاشق.




وقد عرف الاديب ايضا ميزة الشعر فقال : والشعر في أسرار الأشياء لا في الأشياء ذاتها، ولهذا تمتاز قريحة الشاعر بقدرتها على خلق الألوان النفسية التي تصبغ كل شيء وتلونه لإظهار حقائقه ودقائقه حتى يجري مجراه في النفس ويجوز مجازه فيها ................فبالشعر تتكلم الطبيعة في النفس وتتكلم النفس للحقيقة وتأتي الحقيقة في أظرف أشكالها وأجمل معارضها



ثم يرجع مرة اخرى الى الشاعر فيقول : والإنسان من الناس يعيش في عمر واحد، ولكن الشاعر يبدو كأنه في أعمار كثيرة من عواطفه، وكأنما ينطوي على نفوس مختلفة تجمع الإنسانية من أطرافها، وبذلك خلق ليفيض من هذه الحياة على الدنيا، كأنما هو نبع إنساني للإحساس يغترف الناس منه 




ثم يرجع كرة آخرى الى الشعر فيقول :

وإنما الشعر في تصوير خصائص الجمال الكامنة في هذه الفكرة على دقة ولطافة كما تتحول في ذهن الشاعر الذي يلونها بعمل نفسه فيها ويتناولها من ناحية أسرارها.




ثم يوضح الاستاذ الرافعي مرة اخرى مهمة الشاعر في الشعر :

ومتى نزلت الحقائق في الشعر وجب أن تكون موزونة في شكلها كوزنه، فلا تأتي على سردها ولا تؤخذ هونًا كالكلام بلا عمل ولا صناعة، فإنها إن لم يجعل لها الشاعر جمالًا ونسقًا من البيان يكون لها شبيهًا بالوزن، ويضع فيها روحًا موسيقية بحيث يجيء الشعر بها وله وزنان في شكله وروحه -فتلك حقائق مكسورة تلوح في الذوق كالنظم الذي دخلته العلل فجاء مختلًا قد زاغ أو فسد.




وقد تنبه الاديب الى دور الخيال في الشعر فقال :


والخيال هو الوزن الشعري للحقيقة المرسلة، وتخيل الشاعر إنما هو إلقاء النور في طبيعة المعنى ليشف به، فهو بهذا يرفع الطبيعة درجة إنسانية، ويرفع الإنسانية درجة سماوية؛ وكل بدائع العلماء والمخترعين هي منه بهذا المعنى، فهو في أصله ذكاء العلم، ثم يسمو فيكون هو بصيرة الفلسفة، ثم يزيد سموه فيكون روح الشعر؛



ثم ختم الكلام عن الشعر فقال :

أنه فن النفس الكبيرة الحساسة الملهمة حين تتناول الوجود من فوق وجوده في لطف روحاني ظاهر في المعنى واللغة والأداء 





والان ينطلق الاديب والاستاذ الرافعي الى نقد الشعر فيقول :

فإن النقد الأدبي في أيامنا هذه -وخاصة نقد الشعر- أصبح أكثره ما لا قيمة له، وساء التصرف به، ووقع الخلط فيه، وتناوله أكثر أهله بعلم ناقص، وطبع ضعيف، وذوق فاسد، وطمع فيه من لا يحصل مذهبًا صحيحًا، ولا يتجه لرأي جيد، حتى جاء كلامهم وإن في اللغو والتخليط ما هو خير منه وأخف محملًا،




بل يزيد الاديب الرافعي اقواله توضيحا فيقول :

إن أستاذ الآداب يجب أن يجمع إلى الإحاطة بتاريخها وتقصي موادها ذوقًا فنيًا مهذبًا مصقولًا، وليس يمكن أن يأتي له هذا الذوق إلا من إبداع في صناعتي الشعر والنثر، ثم يجمع إلى هذين: "أي الإحاطة والذوق" تلك الموهبة الغريبة التي تلف بين العلم والفكر والمخيلة فتبدع من المؤرخ الفيلسوف الشاعر العالم شخصًا من هؤلاء جميعًا هو الذي نسميه الناقد الأدبي.
هذه هي صفات الناقد في رأينا؛



بل يوضح الرافعي وهو الناقد الكبير والاستاذ الجليل (( مهمة الناقد )) :

وجهلوا أن الناقد الأدبي إنما يلقي درسًا عاليًا لا يدل فيه على العيوب الفنية إلا بإظهار المحاسن التي تقابلها في أسمى ما انتهى إليه الفن من آثار تاريخه، فيكون النقد تهذيبًا وتخليصًا لفنون الأدب كلها؛ وهو بهذه الطريقة يجلوها على الناس ويبدع فيها ويزيد في مادتها ويسهلها على القراء ويحصلها لهم تحصيلًا لا يبلغونه بأنفسهم، ويعطيهم من كل ضعيف ما هو قوي، ومن كل قوي ما هو أقوى.


ثم يوضح الرافعي من الذي يستحق ان يكون ناقدا للشعر :

وإن لنا رأيًا بسطناه مرارًا، وهو أنه لا ينبغي أن يعرض لنقد الشاعر والكلام عنه إلا شاعر كبير يكون ذا طبيعة في النقد، أوكاتب عظيم يكون ذا طبيعة في الشعر؛ أي لا بد من الأدب والشعر معًا لنقد الشعر وحده فيأتي الكلام فيه من العلم والذوق والإحساس والإلهام جميعًا، فيتبين الناقد وجوه النقص الفني، ويعرف بما نقصت وماذا كان ينبغي لها وما وجه تمامها، ثم يعرف من الكمال الفني مثل ذلك، ويحس على الحالتين بالمعاني التي أحسها الشاعر حين انتزع شعره منها، وما كان يتخالجه وقتئذ من الفكر ويتمثل له من الصور المعنوية التي ألهمته إلهامها؛ فإن المعاني المكتوبة هي شعر الشاعر، ولكن تلك المعاني المحسوسة هي شعر الشعر، وإنما يوقف عليها بالتوهم والاسترسال إلى ما وراء الطبيعة من بواعثه، وما تموجت به روح الشاعر عند عمله، وما عرضت لها به طبائع المعاني؛ وهذا كله لا يحسه الناقد إن لم يكن شاعرًا في قوة ما ينقده أو أقوى منه طبيعة شعر.





ثم يكشف الرافعي عن دور النقد في الشعر :

ومن أجل ذلك ترى من آية النقد البديع المحكم إذا قرأته ما يخيل إليك أن الشعر يعرض نفسه عليك عرضًا ويحصل لك أمره ويبين حالته في ذهن شاعره.
وكيف توافى وائتلف، وكيف انتزعه الشاعر من الحياة، وما وقع فيه من قدر الإلهام، وما أصابه من تأثير الإنسان وما اتفق من خظ الطبيعة والأشياء، وبالجملة يورد النقد عليك ما ترى معه كأن حركة الدم والأعصاب قد عادت مرة أخرى إلى الشعر.



ثم يقول الرافعي :

وطريقتنا نحن في نقد الشعر تقوم على ركنين:
البحث في موهبة الشاعر، وهذا يتناول نفسه وإلهامه وحوادثه؛ 
والبحث في فنه البياني، وهو يتناول ألفاظه وسبكه وطريقته،



والى هنا نكتفي بهذا الموضوع ومن اراد الزيادة فليراجع وحي القلم : نقد الشعر وفلسفته 




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الرد على السيف اليماني في نحر الاصفهاني صاحب الاغاني

الفرق بين المبدا والرأي (( نقاش ))

الشاعر حامد زيد و (( حاتم الطائي ))