الفرق بين (( اللفظ )) و (( المعنى )) كيف ذلك ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
اللفظ والمعنى صنوان وشقيقان يندمجان اندماجا كبيرا ليحدثا انفجارا هائلا
والقدرة على الاندماج بين اللفظ والمعنى لا يكون الا بعد فترة طويلة من سبر اغوار النفس والمكث الكبير في مدافن الموتى
وكنت ولا زلت اعيش مع استاذي (( الجاحظ )) احدثه ويحدثني
ومن تلك الاحاديث
ومن تلك الاحاديث
انه قال :
ورأيت عامتهم - فقد طالت مشاهدتي لهم - لا يقفون الا على الالفاظ المتخيرة والمعاني المنتخبة وعلى الالفاظ العذبةوالمخارج السهلة والديباجة الكريمة وعلى الطبع المتمكن وعلى السبك الجيد وعلى كل كلام له ماء ورونق وعلى المعاني التي اذا صارت في الصدور عمرتها وأصلحتها من الفساد القديم وفتحت للسان باب البلاغة ودلت الاقلام على مدافن الالفاظ واشارت الى حسان المعاني ورأيت البصر بهذا الجوهر من الكلام في رواة الكتاب أعم وعلى ألسنة حذاق الشعراء اظهر
ثم ناقشته طويلا حول المعنى واللفظ فانفجر قائلا :
وذهب الشَّيخُ إلى استحسانِ المعنى والمعاني مطروحةٌ في الطريق يعرفها العجميُّ والعربيُّ والبدويُّ والقرَوي والمدنيّ وإنَّما الشأنُ في إقامةِ الوزن وتخيُّر اللفظ وسهولة المخرج وكثرة الماء وفي صحَّة الطبع وجَودَة السَّبك فإنما الشعر صناعةٌ وضَرْب من النَّسج وجنسٌ من التَّصوير .
وفحاولت ان اشاغب واناضل في نصرة مذهبي فنهرني قائلا
على قدر وضوح الدلالة وصواب الاشارة وحسن الاختصار ودقة المدخل يكون اظهار المعنى وكلما كانت الدلالة أوضح وافصح وكانت الاشارة ابين وانور كان انفع وأنجع والدلالة الظاهرة على المعنى الخفي هو البيان الذي سمعت الله تبارك وتعالى يمدحه ويدعو اليه ويحث عليه وبذلك نطق القران وبذلك تفاخرت العرب وتفاضلت وأصناف الاعجام
فسألته عن البيان ما هو ؟ فقال :
والبيان اسم جامع لكل شيء كشف لك قناع المعنى وهتك الحجب دون الضمير حتى يفضي السامع الى حقيقته ويهجم على محصوله كائنا ما كان ذلك البيان ومن اي جنس كان ذلك الدليل لان مدار الامر والغاية التي اليها يجرى القائل والسامع انما هو الفهم والافهام فبأي شيء بلغت الافهام وأوضحت عن المعنى فذاك هو البيان في ذلك الموضع
هنا وجدني صامتا قد شخصت عيناي واضطربت شفتاي وارتجفت يداي
قال كأنك تريد كلمة نختم بها حديثنا ؟
قلت : لا
بل اريد ان ازيد في السؤال واخشى الاجابة
قال : قل
قلت : هل النية له مدخول في حديثنا بين اللفظ والمعنى ؟
فقال :
وأحسن الكلام ما كان قليلة يغنيك عن كثيرة ومعناه في ظاهر لفظه وكان الله عز و جل قد ألبسه من الجلالة وغشاه مننور الحكمة على حسب نية صاحبه وتقوى قائله فاذا كان المعنى شريفا واللفظ بليغا وكان صحيح الطبع بعيدا منالاستكراه ومنزها عن الاختلال مصونا عن التكلف صنع في القلب صنيع الغيث في التربة الكريمة ومتى فصلت الكلمة على هذه الشريطة ونفذت من قائلها على هذه الصفة اصحبها الله من التوفيق ومنحها من التأييد ما لا يمتنع من تعظيمها به صدور الجبابرة ولا يذهل عن فهمها عقول الجهلة
وقفت على قدمي وصرخت الله اكبر لله درك من عالم ناصح ومن معلم حاذق
فقال لي : اجلس فلم انته ِ بعد
قلت : هلم اذا
قال :
ثم اعلموا ان المعنى الحقير الفاسد والدنيء الساقط يعشش في القلب ثم يبيض ثم يفرخ فاذا ضرب بجرانه ومكن لعروقه استفحل الفساد وبزل وتمكن الجهل وفرخ فعند ذلك يقوى داؤه ويمتنع دواؤه اللفظ الهجين الردي والمستكره الغبي أعلق باللسان وآلف للسمع وأشد التحاما بالقلب من اللفظ النبيه الشريف والمعنى الرفيع الكريم ولو جالست الجهال والنوكى والسخفاء والحمقى شهرا فقط لم تنق من أوضار كلامهم وخبال معانيهم بمجالسة أهل البيان والعقل دهرا لان الفساد أسرع الى الناس وأشد التحاما بالطبائع والانسان بالتعلم والتكلف وبطول الاختلاف الى العلماء ومدارسة كتب الحكماء يجود لفظه ويحسن أدبه وهو لا يحتاج في الجهل الى اكثر من ترك التعلم وفي فساد البيان الى اكثر من ترك التخير
فلما سمعت هذا القول ، عرفت الفرق بين اللفظ والمعنى وبين البيان والجهل وبين الحق والباطل
تعليقات